الجمعة، 17 ديسمبر 2021

أنا وكافكا وجنون الليل - أعماق بقلم دعاء وعل

 أنا وكافكا وجنون الليل - أعماق بقلم  دعاء وعل 





التضحية فن والصبر فن ، لكن عليك أن تعرف متى تضحي ومتى تصبر ، لمن تضحي وكيف تصبر ، فليس الجميع يستحقون منا التضحية أو الصبر ، فيقول المثل إن كان ضرسك يؤلمك فخلعه أسهل لك من تحمل الألم . 


تتفاوت قدرات الانسان وطاقته على التحمل من شخص لشخص آخر، ومن موقف لموقف آخر ، واحياناً تشعر بأنك عاجز عن التحرك أو التصرف ، راق لي قول فرانس كافكا : ( كأن الأمر يشبه أن تقف في منتصف غرفة لا يسمح لك بالاستناد على شيء)، فعلاً في بعض الأحيان العجز عن التصرف يشبه هذا القول تماماً ، ولكن السؤال الذي يتراوح لذهني الآن هل بقي من نستند عليه من نتكئ على كتفه من يقومنا إذا انحنينا ، هل يعقل أن نضيع وسط ضباب ولا نجد الطريق لنغرق بعدها دون أن نشعر أو نميز بأننا وقعنا في حفرة عميقة لا مخرج منها . 


فرانس كافكا : ( كيف أصبحت الشخص الذي أنا هو؟ هل أنا نفسي فعلا، أم صنع مني الآخرون بالأحرى الشخص الذي أنا هو ؟ ) ، يراود أفكاري سؤال محير قريب من قول كافكا السابق ، هل ممكن للآلآم أن تصنع منا أشخاص آخرين ، أشخاص مختلفين عما كانوا سابقاً ، أشخاص متأقلمين مع ألمهم باردين مع الوجع بلا شعور بلا احساس ، هل يمكن للتراكمات أن تجرد الانسان من احساسه ياترى ؟ 


بقيت جائراً حتى وقع أمام ناظري قول كافكا ( لا يزال الليل ليلاً أكثر من اللازم ) ، فقد يطول الليل مع الصراع الداخلي الذي يصرخ ويرتد صداه في النفس فتحطم ضجته وقوته القلب وتهشمه ليبيت ليله ملايين القطع والاشلاء الممزقة ، فقط في جوف صاحبه في هدوء الليل فلا يسمع صداه غير النفس والروح لا أحد غيرهم ، نعم صاحب الآه نفسه هو فقط من يسمعها . 


لحظة لحظة من فضلك ، يقول كافكا ( أنت هدوءُ قلبي وصخبهُ في آنٍ معاً ) ، فعلاً هم هدوء قلبي فقلبي لا يعرف كيف يعيش بدونهم ، ولكنهم صخبه أيضاً فهم من يجعلون الصرخات تتغلل إلى أعماقه ، غريبة هي هذه الحياة فكيف يمكن للذي يجعلنا نبتسم أن يجعلنا نبكي ألم . 


احترت معك يا كافكا ألست من قال : ( لا أشعر بحقيقة نفسي إلا عندما أصاب بحزن لا يطاق ) ، فهل يعقل حقاً أننا نشعر بأنفسنا الحقيقية إلا فقط عندما نحزن، ما هذا الجنون يا كافكا آه للآه التي تؤلمنا ، فقد صدقت عندما قلت : ( لكنني لست مذنبا .. كيف يمكن أصلا أن يكون أي منا مذنبا، نحن بشر ) ، أصبحت لا أعلم من منا المذنب ، أنا أم هم ، أم نحن البشر ككل ، فعلاً نحن بشر وماذا يتوقع منا نحن البشر ؟ دقيقة دقيقة كافكا والانسانية أين ذهبت واختفت؟
 

وهل ترد الآن بقولك : ( العالم السليم لا يوجد إلا في الداخل ) مممممم ، لا أعلم هل ينطبق هذا على الانسانية أيضاً ، كافكا أنا ابحث عن الهدوء فقط فكيف لي أن أجده ، الهدوء والراحة ، ألست الذي قال : ( إن الهدوء هو كل ما أريده ولكن ذلك الهدوء الذي يتخطى إدراك البشر ) ، فهل وجدته يا كافكا أم مازلت تبحث عن هذا الهدوء ؟ 


أتعلم بأننا متشابهان حقاً انظر فأنت تقول : ( ليس لدي اهتمام أدبي، وإنما أتألف من أدب لست شيئا آخر، ولا أستطيع أن أكون شيئا آخر) ، وأنا أيضاً مكونة من حروف تنسج في في روحي خلايا دمي ، ولا استطيع أن اتجرد من ذاتي وكتابتي .


كافكا : ( عندما أكون وحدي أبكي مصيري ، تعالى فلعله يبعث عزاء أرقى في نفوسنا أن نبكي معا ) ، وها أنا ذا وحدي كافكا اكتب لأبكي مصيري في ليلي الطويل ، وعزائي لنفسي ولك على كل ما مر بنا من ألم في هذه الحياة ، وقد جئت إليك ولجنون ما تكتب وشدني هذا العزاء الآن مع سكرات الموت ليلاً مع الألم .




وجوة تعبيريةوجوة تعبيرية